رسالة إلى الذين يعتقدون أن بقاء فرنسا في الجزائر كان خيرا لها، رغم تفوه الكثيرين منهم بذلك وهم في فورة الغضب .. إلى الناقمين على إخوانهم .. إلى الناسين والمتناسين .. إلى الذين صاحوا ذات مرة "" التاريخ في المزبلة "'.. إلى مناصري تاريخ الجزائر بأعين فرنسية كولونيالية .. إلى كل هؤلاء مقتطفات من أعمال السفاح 'بول أوساريس' سواء قرأها من قبل فندعوه لإعادة قراءتها، أو لم يقرأها ..
لنستضيفه في هذه الصفحة التي تعتصر ألما لما حملته في ثنايا أحرفها من حقد وغل وبشاعة .. لنوحد مشاعرنا في هذا اليوم المبارك ونحول فورة غضبنا جميعا إلى سبيلها وهدفها الأليق بها .. نحو فرنسا الاستعمارية وبقايا فكر فرنسا الاستعمارية .. كي لا ننسى ...
-------------------------------------------------- ----------------------
أعمال يمليها الضمير وطبيعة المهمة
-------------------------------------------------- ----------------------
يقول الجنرال أوساريس: 'إن العمل الذي قمت به في الجزائر كان من أجل بلادي، معتقدا في ذلك أنني أحسن صنعا، وإن كنت لم أرد أن أقوم به، وذلك أن ما نقوم به ونحن نعتقد أننا نؤدي من خلاله واجبنا لا يمكن لنا أن نندم عليه '.
-------------------------------------------------- ----------------------
ويصف عمله كضابط استخبارات
-------------------------------------------------- ----------------------
'' وهكذا صرت ضابط استعلامات ... يكلف ضابط الاستعلامات في أيام الحروب، أساسا، بجمع الوثائق والمعلومات اللازمة التي تعين على بناء العمليات الميدانية، هذه المعلومات تتعلق بأرضية القتال وبالخصم كذلك، غير أن أعمالا مثل هذه لا تلقى احتراما أو تقديرا عند العسكريين. ولكي يتسنى القيام بهذه المهمة على أحسن وجه، كان ذلك يتطلب ذهنية خاصة يمكن لها أن تتحمل الأذى الناجم عن تهكم الآخرين ... وأدركت من ثم أن إيفادي إلى الجزائر لم يكن مجرد هدية كان يمكن أن تقدم ليس. وفي بدايات عمله الأولى بمنطقة سكيكدة يقول: 'وفي ظرف أسابيع معدودة ازدادت حركة التمرد ثباتا وصلابة، وبدأ حينها - العد التنازلي، وكان دوري يحتم علي أن أكون أكثر هجوميا' ويدافع عن أمثاله بالقول: 'لقد كانت شرطة سكيكدة تمارس التعذيب، مثل باقي الشرطة في كل أنحاء الجزائر، وكان مسؤولوهم على دراية تامة بذلك. لم يكن أولئك الشرطيون جلادين أو وحوشا، ولكنهم كانوا أناسا عاديين، كانوا أناسا مخلصين لوطنهم، وكانت روح الواجب متغلغلة في أعمق أعماقهم '
-------------------------------------------------- ----------------------
الغاية تبرر الوسيلة
-------------------------------------------------- ----------------------
إن التخلص من جبهة التحرير كان يعني وجود إرادة سياسية فعلية لذلك، ولكنه كان يعني كذلك استعمال كل الوسائل الملائمة ... كان علي أن أتعرف على زعماء جبهة التحرير وأحدد مواقعهم ليتم القضاء عليهم في سرية وصمت، وكنت أعتقد أن الحصول على معلومات حول هؤلاء الزعماء سيقودني حتما إلى إلقاء القبض على متمردين واللجوء إلى استنطاقهم ... ونظرا للمهنة التي اخترتها، قمت بقتل بعض الأشخاص، وفعلت أشياء ترهق الأعصاب، غير أني لم أكن أظن أني سألجأ يوما ما إلى التعذيب. كان في تصوري أنه يمكن أن أتعرض أنا شخصيا إلى التعذيب، ولكنني لم أتصور الواقعة بالعكس: أن أقوم أنا بتعذيب الآخرين.
-------------------------------------------------- ----------------------
وصفة من وصفات التعذيب
-------------------------------------------------- ----------------------
بعد إلقاء القبض على بعض المتعاطفين مع الثورة التحريرية والمساندين لها بشتى الوسائل يتحدث أوساريس عن عملية روتينية غالبا ما يقوم بها قائلا: '... وجاء موعد استنطاقهم. كنت أبدأ بسؤالهم عما يعرفونه، غير أنهم أفهموني أنهم لا يريدون البوح بأي شيء .. ألا تكون ردة فعل المتهم دائما الإنكار أو لزوم الصمت؟ وهكذا، وبدون وازع من الضمير، أوضح لي رجال الشرطة تقنية الاستنطاقات 'الخشنة'. بداية، كان هناك الضرب الذي كان يكفي في الغالب، ثم بعد ذلك تأتي الوسائل الأخرى كالكهرباء والماء. كان التعذيب بالكهرباء يتم عن طريق مولدات كهربائية تستعمل في الأرياف من أجل شحن أجهزة اللاسلكي، وكانت هذه المولدات كثيرة الانتشار. وكان التعذيب يتم عن طريق صعق الأذنين أو الخصيتين، وبعدها يطلق التيار بتركيز مختلف. وكما يظهر، فإنها طريقة قديمة، وأنا أعتقد أن شرطة سكيكدة لم تخترع شيئا في هذا المجال ... هذه المرة وبمساعدة الشرطة، كنت أجدني منساقا إلى المشاركة أكثر فأكثر في هذه الاستنطاقات 'الخشنة' ... إن مهمتنا تفرض علينا إلى الوصول نتائج يكون التعذيب غالبا جسرا مؤديا إليها، بل وحتى القتل، وأظن أن كل هذا ليس سوى البداية فقط '
-------------------------------------------------- ----------------------
اغتيال العربي بن مهيدي
-------------------------------------------------- ----------------------
بعد عدة محاولات فاشلة لجعله يتعاون مع المستعمر بعد القبض عليه، واستبعاد خيار تمريره للعدالة نظرا للصدى المتوقع إزاء التضامن معه ومع قضيته، قرر الجلادون إعدامه على يد أوساريس، وتغليط الرأي العام آنذاك بأنه انتحر، وفي ذلك يقول: '... لم يخن (بن مهيدي) رفقاءه ... أنا هو الذي تسلم بن مهيدي ليلة بعد ذلك في (الأبيار) ... ووصلت بسيارات (جيب) وشاحنة وبرفقتي بضعة عشر رجلا من فريقي الأول وهم مدججون بالسلاح. وكان النقيب (ألير) هو المداوم حينها ... وطلبت منه إحضار (بن مهيدي) وتسليمه لي ... وأدخلناه الشاحنة، وتوجهنا بسرعة مفرطة لأن كمينا تحضره جبهة التحرير لتحريره كان جد محتمل. وقدمت تعليمات صارمة إلى ضابط الصف المكلف بحراسة زعيم جبهة التحرير الوطني، وقلت له: إذا تعرضنا لهجوم ما، فاقض عليه مباشرة حتى وإن خرجنا سالمين، أطلق عليه النار ولا تتردد. وتوقفنا في مزرعة منعزلة كانت وحدتي تقيم فيها على بعد بضع وعشرين كيلومترا جنوب العاصمة، يسار الطريق. وكانت تلك المزرعة إعارة من طرف أحد الأقدام السوداء، وهي تحوي بناية متواضعة لا تتجاوز الطابق الأرضي، وكان فريقي الثاني ينتظرني هناك. كانت الوحدة الأولى للمظليين تحوي بضعا وعشرين رجلا، وكان بعضهم ممن يؤدون الخدمة العسكرية، ولكنهم كانوا أهلا للثقة، وكان النقيب (ألير) المدعو (تاتاف) هو المسؤول عنهم، وكان جد مخلص وشرحت له ما الذي سيجري. وأخبرته بأنه يجب على رجاله تهيئة مكان من أجل (بن مهيدي)، وذلك أن المزرعة ليست مهيأة لذلك، فهي تحتاج إلى تنظيف ونقل لأكوام التبن الموجودة هناك. وفي نفس الوقت، قمنا بعزل السجين في غرفة مهيأة سلفا، وكان أحد رجالي يقف قبالة بابها. وبمجرد إدخال (بن مهيدي) إلى الغرفة، قمنا بتقييده وشنقه، بطريقة تفتح المجال لاحتمال حدوث عملية انتحار. وعندما تأكدت من موته، قمت بإنزاله ونقله إلى المستشفى ... وكنا في منتصف الليل تقريبا. وناديت مباشرة بعدها الجنرال (ماسو)، وقلت له: حضرة الجنرال، إن (بن مهيدي) أقدم على الانتحار، وجثته موجودة بالمستشفى، وسأقدم لك تقريرا غدا صباحا ... لقد كان يعلم أن تقريري كان جاهزا منذ الزوال، كي أربح بعضا من الوقت . وكان القاضي (بيرار) أول من قرأ هذا التقرير، وهو يصف بدقة كل تفاصيل الانتحار الذي سيقع في الليلة القادمة ... وقمنا باستعمال المزرعة التي أعدم فيها (بن مهيدي) مرات أخرى، وطلبت من بعض رجال الوحدة حفر حفرة كبيرة، وتم دفن أكثر من عشرين جثة فيها '
-------------------------------------------------- ----------------------
تصفية المحامي الأستاذ بومنجل
-------------------------------------------------- ----------------------
نفس السيناريو استعمله أوساريس مع بومنجل لكن بإخراج مختلف فقط: 'التفت (ماسو) إلي وصوب عينيه نحو عيني وقال بحزم: (أوساريس)، ممنوع أن يهرب السجين .. مفهوم؟ وعند سماعي هذه الكلمات، توجهت مباشرة إلى الأبيار في نهج (كليمونصو)، أين كان (بومنجل) موقوفا. في منطقة مليئة بالمباني، كان بعضها متصلا ببعض بواسطة جسور صغيرة في سطوح الطابق السادس، وكانت زنزانة (بومنجل) متواجدة في الطابق الأرضي. وتوجهت نحو مكتب الملازم (د) الذي بدا مندهشا حين رآني، ثم قال لي: ما الذي يمكن أن أفعله لك حضرة القائد؟ لقد كنت في اجتماع مطول مع الجنرال (ماسو)، وحسب ظني عند الخروج من هذا الاجتماع، فإنه يجب أن لا ندع بومنجل في هذه البناية التي يوجد بها حاليا. ولماذا؟ لعدة أسباب .. يمكنه أن يهرب مثلا، فكر قليلا .. إن (ماسو) سيكون غاضبا إذا حدث ذلك وأين يجب أن نضعه إذا؟ لقد فكرت في ذلك جيدا، وأرى أنه من الأحسن أن يحول إلى المبنى المجاور، ولكن احذر .. يجب أن لا تمر عبر الطابق الأرضي لأن هذا سوف يجلب الأنظار. وجحظت عينا (د) الذي لم يفهم قصدي، وإن بدأ دون شك في استشفافه، وقال: حضرة القائد، قل لي بالتفصيل ماذا علي فعله؟ إن هذا شيء بسيط، قم بإحضار سجينك، ولكي يتم تحويله إلى المبنى المجاور عليك اجتياز الجسر المتواجد في الطابق السادس، وأنا سأنتظر في الأسفل إلى حين فراغك من التحويل، هل فهمتني الآن؟ وهز الملازم (د) رأسه دليلا على الاستيعاب. وبعد فترة، رجع (د) لاهثا ليخبرني بأن (بومنجل) سقط من الطابق السادس، وقبل أن يرميه من أعلى الجسر، قام بصرعه بضربة مقبض قادوم وجهها صوب قفاه. وقفزت إلى سيارة (جيب) ورجعت إلى (ماسو) والآخرين الذين كانوا لا يزالون مستغرقين في حديثهم. وقلت: حضرة الجنرال، لقد قلت لي بأنه لا يجب ل (بومنجل) أن يهرب، اطمئن إذا فإنه لن يهرب لأنه ببساطة انتحر ... وقررت نتائج تشريح جثة (بومنجل) أنه مات بسبب السحق، وأن جسده لم يحو أي دليل على استعمال العنف ضده، ولم توجه إلي أي تهمة قط، وأقر (د) الرواية الرسمية التي تخلص إلى الانتحار غير المفسر للمحامي الجزائري '
المصدر: بول أوساريس، شهادتي حول التعذيب: مصالح خاصة 1957 -، 1959 ترجمة: مصطفى فرحات، دار المعرفة الجزائر، 0،2005